مجتمع وقانون
مجلة تعنى بسيادة القانون ودوره في المجتمع

الثقافة القانونية والمساءلة الاجتماعية

تطرح اليوم وبصورة متزايدة استراتيجيات المساءلة المبنية أساساً على دور المواطن في تحسين حياة الفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة باستخدام الجهود الرامية إلى تحسين فرص تقديم الخدمات الأساسية العامة. وتشير أحدث التوجهات التنموية إلى أن المسارات الاستراتيجية الأوسع نطاقا والأكثر تنوعاً وتعدداً على المستويات كافة، ربما تسهم في التغلب على القيود المفروضة على النجاحات المحلية المحدودة والضيقة، وتحمل باستمرار وعودا أكبر بالنجاح.

0 161

أ. د. عدنان ياسين مصطفى
أستاذ علم اجتماع التنمية/ جامعة بغداد

تبحث هذه الدراسة التحديات والفرص، من الناحية النظرية والممارسة العملية، التي يطرحها دمج استراتيجيتين تقوم على مبدأ المساءلة المبنية على أساس المواطن -المساءلة الاجتماعية والتمكين القانوني. إذ تتبع أسس كل من هذه المناهج لإبراز الفوائد المحتملة لعملية التكامل. وتبحث بالتالي ما إذا كانت هذه المنافع قد تحققت عمليا، بالاستناد إلى خمس حالات من المنظمات التي تسعى إلى تحقيقها وإدماج المساءلة الاجتماعية والتمكين القانوني للمساءلة الصحية في مقدونيا وغواتيمالا وأوغندا والهند. وتسلط القضايا الضوء على أنه في الوقت الذي يقدم التكامل مقدماً بعض الوعود في الأسباب الرئيسة للتغيير الاجتماعي، فإنه يطرح في الوقت نفسه التحديات امام المنظمات من حيث الاستراتيجيات التي تتبعها.

المقدمة

تواجه المجتمعات الانسانية على اختلاف أنواعها ومستوياتها تحديات بناء منظومات ضبط ومحاسبة أساسها الثقافة والوعي القانوني والمساءلة الاجتماعية. وفي المجتمعات المأزومة، كما هو الحال في العراق، تتعاظم الحاجة الى بناء استراتيجيات تنموية تقوم على أساس الحقوق بعد ان تفاقمت الاثار البنيوية لهذه المشكلات وأضحت من المظاهر المهددة للأمن الاجتماعي، لاسيما وأن الجهل بالتشريعات وضعف الثقافة القانونية التي تحكم تلك المنظومات تمثل باستمرار خطرا محدقاً وتهديدا وضررا على تماسك ووحدة وحياة الأفراد والمجتمع.

    وكما تترابط المنظومات والبرامج والنماذج، فان الاهتمام بقضية بناء الثقافة والتمكين  القانوني والارتقاء بالمساءلة الاجتماعية تهدف لوضع مسارات توعية الناس وتمكينهم في هذا المجال ضمن الأجندات الوطنية، الى جانب تمكين صانعي القرار والسياسات والشركاء في التنمية، ومنظمات المجتمع المدني من التعرف على واقع الثقافة القانونية  وموجهاتها ومحدداتها في المجتمع،  وتقويم التداعيات  المباشرة وغير المباشرة على ضحاياها، وتحليلها بشكل موضوعي استنادا الى مؤشرات تمكن من توضيح مدى الضغوط والمعاناة الذي يعانيه الناس عموماَ، وتحديد الاولويات للنهوض بواقعهم.  لاسيما مع تفاقم حجم الاشكاليات البنيوية وتداعياتها في البناء الاجتماعي للمجتمع في عالم يتغير بإيقاع غير مسبوق. إذ تظهر الحاجة الماسة لتكثيف الجهود لدراستها وسبر أغوارها وتحليل ابعادها المختلفة، لما تتركه من اثار خطيرة على الفرد والاسرة والمجتمع على حد سواء.

     تتكون الدراسة من مبحثين رئيسيين الأول يتناول المقاربات النظرية للتمكين القانوني والمساءلة الاجتماعية، فضلاً عن اختيار مجموعة من التجارب التنموية الدولية من اميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، وأهم ما توصلت اليها من الاستنتاجات النظرية والعملية عبر تطبيقها لحزم من البرامج والسياسات. اما المبحث الثاني فقد تركز على التمكين القانوني والمساءلة الاجتماعية في العراق: الإشكاليات والخيارات.         تجري هذه الدراسة مراجعة نقدية تقييمية للتطورات المفاهيمية والتطبيقات العملية في مجال التمكين القانوني والمساءلة الاجتماعية، بحثاً عما قدمته من مضامين وسياقات وتطبيقات وآليات للتجارب الرئيسة في عدد من البلدان والتي ما زالت تشكّل للنظريات التنموية محطة نقاش ثرية.

أهمية الدراسة:

تسعي معظم بلدان العالم عبر الرؤى والاهداف التنموية الوطنية لبناء مجتمع آمن ومستقر تحكمه مبادئ العدل والمساواة وسيادة القانون، يجعل بناء نظام حماية اجتماعية-قانونية فعال يفي بالحقوق المدنية للناس ويقدر مساهمتهم في المجتمع، ويعزز المسؤوليات المشتركة تجاه الاهداف من الضرورات الاساسية للمحافظة على الاستقرار والتماسك المجتمعي.

ان حماية حق الأجيال اليوم لتأمين حياة صحية خلاقة ولائقة، وضمان حق أجيال المستقبل، يمثل التحدي الإنمائي الأكبر للقرن الحادي والعشرين، لا سيما وان الارتباط وثيق بين الانصاف والتمكين والاستدامة، أي العدالة الاجتماعية وإتاحة المزيد من الفرص لحياة أفضل للجميع.

لقد أظهرت العديد من الدراسات والتقارير الدولية [1] ، الصلة بين عدم التوازن في توزيع السلطة على الصعيد الوطني والمحلي، وعدم المساواة بين الجنسين، وتفاقم الاثار الناجمة عن الفوارق في الدخل، وضعف الخدمات وصعوبة الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي المحسن، وانتشار الامراض وضعف الخدمات التعليمية وغيرها، مما يستدعي تدخلاً  فاعلاً غبر جهود استثنائية  تستثمر الطاقات والإمكانات التي تنصف الجميع في الحصول على الخدمات والرعاية التي تسهم في الوصول الى الاستدامة والتنمية البشرية معاً، وهو ما يؤكد أهمية توسيع فرص التمكين القانوني والنهج الناجحة على مستوى المجتمعات المحلية في اطار يضمن قيام مؤسسات شاملة لا تسقط الفئات المحرومة من حساباتها.         

لذا فإن لفت الانتباه الى هذا الموضوع، سيدفع المعنيين والباحثين والسلطات لإعطاء الاهتمام اللازم لهذه القضية التي لم تعط أي أسبقية حتى الان في ظروف أسبقيات أخرى طاغية تتشكل وتعرض نفسها في بلداننا المأزومة.

أقرأ البحث كاملاً

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول أقرأ المزيد