اعادة الاندماج المجتمعي وتحديات تجنيد الاطفال على مستقبل العراق
على الرغم من تمكن العالم بعد الحرب العالمية الثانية في بناء منظومة من المعايير التي تحدد ساحات الحروب وشروط المشاركة فيها، وفي أيجاد آليات لحماية المدنيين من مخاطرها، كما نجح في بناء منظومة لحقوق الإنسان تسندها مؤسسات دولية ( الأمم المتحدة – المحكمة الجنائية الدولية – مفوضية الأمن الإنساني – وكالات حقوق الإنسان – الأمم المتحدة للمرأة …. الخ) غير أن التهديد الإرهابي ما زال نافذا وما زالت انتهاكات حقوق الإنسان تجري على قدم وساق.
دراسة اجتماعية -قانونية -قضائية
تقديم: المؤسسة القانونية العراقية
لقد كان القرن الماضي – أيضا – مزدحم بالمآسي (حربان عالميتان وحروب مناطقية وأهليه واحتلالات وحصارات …) فما هي ملامح قرننا الجديد؟ كيف نقرأ إحداثا مثل تفجيرات نيويورك وإفريقيا وتفجير قبة الحرمين في سامراء وتفجيرات بالي واليمن وكنيسة النجاة والكنائس القبطية وإيقاعات الجرائم اليومية في سوريا ومصر والعراق ولبنان … أن من المهم أن نسأل: ما هي طبيعة الفكر الذي يوجه السلوك الإرهابي. وما هي طبيعة هذا السلوك؟
ان عالم اليوم عالم مهدد بالخوف. هو أيضا عالم الداروينية الاجتماعية ذات المضمون الاستئصالي. عالم الرأسمالية المتوحشة، وتفكك النظم الشمولية، وانهيار الحدود، وتفكك المجتمعات الى جماعات، عالم أصبح فيه الفقر معولماً والسوق حاكما، وكل ذلك يشكل البيئة التي ينمو فيها الفكر أللمتطرف… والذي يشجع على العنف والجريمة والعدوان.
في السنوات الأخيرة أصبحت التنظيمات الإرهابية تشكل تحدياً جدياً لقيم الديمقراطية وكرامة الانسان، وقد تحمل العراق كلفة ظاهرة على أمنه الانساني واقتصاده، وتحولت قضية مكافحة الإرهاب الى قضية وطنية -مجتمعية. فالإرهاب لا ملامح له ولا دين او جنسية. انه عدو للإنسانية ومكافحته واجب الجميع.
لعل من حقائق الأمور الإشارة إلى أن السنوات أعقبت احتلال التنظيمات الإرهابية لعدد من المحافظات عام 2014، قد أسهمت بتفكك في البنى والوظائف والعلاقات القيمية في المناطق التي تأثرت بالنزاع، بعد أن تعرض العراقيون بسبب الأزمات التي مروا بها (الحروب والحصار والاحتلال) إلى ضغوط نفسية متواصلة أدت إلى تكريس مجموعة من المشكلات والتحديات. ويتمثل هذا الوضع في العنف الذي يهدد حياة العراقيين فضلاً عن المشكلات الاقتصادية المتمثلة بالبطالة والفقر، وضعف أداء المؤسسات وغياب الشعور بالأمان نتيجة الوضع الأمني المتدهور.
ولعل أبرز المشكلات الناجمة عن هذا التدهور ارتفاع نسب الفئات الهشة (الأرامل والأيتام والمعوقين وغيرهم)، وحالات النزوح والتهجير ألقسري لمئات الآلاف من الأسر داخل العراق وخارجه، وعدم وجود سياسة متكاملة لمعالجة المشكلات، وارتفاع معدلات التسرب بين الطلاب، وارتفاع مستويات الانحراف والجريمة. إن جميع هذه المتغيرات شكلت تهديدا خطيرا للأمن الإنساني وتوالد متواصل للمشكلات وافتقار للإرادة الاجتماعية ولأدوات التعامل من اجل معالجتها.
وفي ضوء هذه التطورات، شكلت قضية الطفولة أحد المتغيرات المهمة في التحولات المجتمعية، بعد سلسلة من الأزمات، تركت آثارا مباشرة وغير مباشرة على المؤسسة الأسرية وعلى الطفولة بشكل خاص. فالأزمات إلى جانب العوامل الثقافية والاجتماعية، فضلا عن القصور في تعليم الأسرة، وتدني مستواها العلمي والمعرفي وضاءله المهارات المكتسبة، كلها عوامل تقلص نطاق الأعمال المتاحة أمام الآباء والأمهات وتضعف قدرة الأسر على المنافسة في ميدان العمل الرسمي خارج المنزل والحصول على وظائف تلبي احتياجات الأسرة، وتحقق لها المكانة الاجتماعية اللائقة، مما ينعكس سلبا على أوضاع الأطفال فتزيد من معاناتهم وتعقد ظروفهم وتسهم في تهميشهم واستبعادهم عن دائرة الاهتمام والرعاية.
وعلى خلفية هذه الأحداث، وبدلا من تدعيم وتعزيز بنية الأسرة، تنتشر اليوم أنماط أسرية غريبة مثل الأسرة المكونة من الأم وأبنائها فقط، والأسرة المؤقتة والأسرة التي لم يبقى منها سوى الأطفال لوفاة أبويهما بسبب الحروب والاحتلال وما رافقهما من دمار وما نجم عنها من مشاكل ألقت بظلالها على النسيج الاجتماعي، والتي تمثل ثقوب في الضمير الإنساني وانتهاكا للطبيعة البشرية.
وحينما نتحدث عن هذه التطورات تخطر ببالنا المأساة التي تتركها ظروف النزوح واحتلال المناطق وما يصاحبها من عنف، حيث تقود إلى نتائج خطيرة على سلوكيات الإنسان داخل المجتمع، وتساهم في تلاشي الإيمان بالمثل العليا والفضيلة والصدق والإخلاص. إذ تبرز وبشكل واضح أنماط مختلفة من الانحرافات السلوكية والجرائم، كما تؤثر تلك المظاهر على الصحة العقلية للسكان وخصوصا الأطفال حيث يقعون تحت ضغوط وتيارات مختلفة ربما تقود إلى عواقب وخيمة تدفعها الأجيال اللاحقة.
ولا يراودنا أي شك بان الأمر ربما سيظل على هذا الحال لمدة من الزمن، وان كل ذلك يعني باختصار أن علينا أن نجد حلولاً لمشكلات وتحديات كبيرة تواجه الطفولة في المناطق المتأثرة بالنزاع، كانت البنى التقليدية في مجتمعاتنا تجد للبعض منها حلولا مناسبة. ونتيجة لذلك فان الكثير من الأطفال الذين كان بالإمكان إنقاذ حياتهم وان ينعموا بمزيد من الصحة والتعليم والخدمات باتوا أكثر من أي وقت مضى عرضة لتهديدات آنية ومستقبلية. كذلك يتكشف عن أزمات ما بعد الحرب تأثيرات سالبة يتوقع أن تستمر لفترة طويلة في الأفراد والمجتمعات، وذلك هو ما يعرف بالمصطلح “اضطرابات ضغوط ما بعد الصدمه “post-traumatic stress disorders”