مجتمع وقانون
مجلة تعنى بسيادة القانون ودوره في المجتمع

معصومية الجسد في القانون الدولي

لقد احتل الحق في الحياة وسلامة الجسم مكانة خاصة في المواثيق والاعلانات والاتفاقيات الدولية والاقليمية وذلك من خلال النص عليه في اكثر من وثيقة من الوثائق الدولية سواء كانت الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة كالاعلان العالمي لحقوق الانسان او الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان كما اهتمت المؤتمرات الدولية بهذا الحق من خلال تأكيدها عليه واصدارها التوصيات اللازمة بشأن احترام هذا الحق والمحافظة عليه والابتعاد عن كل ما من شأنه المساس به وبكافة الوسائل كما اكدت على ذلك الدساتير الوطنية ، ونظرا لتشعب البحث في هذا الموضوع فليس في عزمنا الخوض في تفصيلاته الا بالقدر الذي يخدمنا في مجال بحثنا.

0 515

أ. د. ذنون يونس صالح المحمدي
اكاديمي وباحث قانوني

لقد احتل الحق في الحياة وسلامة الجسم مكانة خاصة في المواثيق والاعلانات والاتفاقيات الدولية والاقليمية وذلك من خلال النص عليه في اكثر من وثيقة من الوثائق الدولية سواء كانت الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة كالاعلان العالمي لحقوق الانسان او الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان كما اهتمت المؤتمرات الدولية بهذا الحق من خلال تأكيدها عليه واصدارها التوصيات اللازمة بشأن احترام هذا الحق والمحافظة عليه والابتعاد عن كل ما من شأنه المساس به وبكافة الوسائل كما اكدت على ذلك الدساتير الوطنية ، ونظرا لتشعب البحث في هذا الموضوع فليس في عزمنا الخوض في تفصيلاته الا بالقدر الذي يخدمنا في مجال بحثنا.

اولا: معصومية الجسد في الاعلانات والمواثيق الدولية:

لقد نصت الاعلانات والمواثيق الدولية على حق كل فرد في الحياة والحرية والسلامة الجسدية، دون تفرقة بينهم في ذلك بسبب الدين او اللغة او الجنس او اللون وان له الحق في مستوى من المعيشة يكفل له المحافظة على الصحة والرفاهية له ولاسرته والا يعرض أي انسان للتعذيب، وانه لا يجوز اخضاع احد لاجراء اية تجربة طبية او علمية على جسده دون رضاه الحر واهم ما هو في هذا الخصوص:

  1. الاعلان العالمي لحقوق الانسان: صدر هذا الاعلان عن الامم المتحدة في صورة توصية للجمعية العامة في العاشر من ديسمبر 1948 وقد حرصت المنظمة الدولية منذ انشائها على حماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية. فقد ورد في المادة / 3 من هذا الاعلان التأكيد على حق كل فرد في الحياة والحرية والسلامة الشخصية بقولها (لكل فرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه

) واشارت المادة/5 من الاعلان نفسه الى تحريم التعذيب والمساس بجسد الانسان بانه (لا يعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطّة بالكرامة) فالتعذيب جريمة ضد سلامة الشخص وهو في الوقت ذاته قد يكون وكثيرا ما كان ضد حق الانسان في الحياة لما يؤدي الى ازهاق روح الشخص الذي يتعرض له. واما من حيث القيمة القانونية لهذا الاعلان فقد ذهب البعض الى القول بان هذا الاعلان ملزم قانونا لكافة الدول اعضاء منظمة الامم المتحدة باعتبار انه مكمل لميثاق هذه الهيئة والذي فرض احترام حقوق الانسان الا ان الرأي الراجح والذي نميل اليه، يرى ان لهذا الاعلان قيمة ادبية كبرى، ومن ثم فانه لا يتمتع باي قوة قانونية ملزمة.

  • الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية: وافقت الجمعية العامة للامم المتحدة في السادس عشر من ديسمبر 1966 على هذه الاتفاقية وهي تعد مكملة للإعلان العالمي لحقوق الانسان، وقد حرصت هذه الاتفاقية على ابراز حق الفرد في الحياة وحقه في الحرية والحياة والسلامة الجسدية، فقد نصت المادة/ 6 / 1 على ان (لكل انسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق. ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي) كما نصت المادة/7 منه على انه (لا يجوز اخضاع أي فرد للتعذيب او لعقوبة او معاملة قاسية او غير انسانية او مهينة وعلى وجه الخصوص فان لا يجوز اخضاع أي فرد دون رضائه الحر للتجارب الطبية او العلمية) واشارت المادة/ 9 / 1 من الاتفاقية اعلاه ايضا (لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية ولا يجوز القبض على أحد او ايقافه بشكل تعسفي).

كما نصت الاتفاقية على انشاء لجنة دولية تسمى لجنة حقوق الانسان للأشراف على تطبيق نصوصها، وتنحصر مهمتها في التوسط بين الدول في المنازعات والشكاوى المتعلقة بالحقوق والحريات الواردة بالاتفاقية، ويلاحظ ان حق اللجوء الى هذه اللجنة قصر على الدول دون الافراد، وتتمتع هذه الاتفاقية باهمية قانونية بالغة باعتبارها تقنينا دوليا لحقوق الانسان ، وهي من هذه الناحية تفوق الاعلان العالمي لحقوق الانسان حيث تلتزم الدولة التي تصدق على احكامها باحترامها وتنفيذها .

  • اتفاقية تحريم ابادة الجنس البشري (منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها):

اولت هيئة الامم المتحدة لجريمة ابادة الجنس البشري عناية خاصة نظرا لما كبدته هذه الجريمة للانسانية من خسائر جسيمة في جميع فترات التاريخ فقد استخدمها النازيون الالمان في الفترة السابقة مباشرة على الحرب العالمية الثانية كسلاح ضد جماعات وطنية او عنصرية او دينية بغرض ابادتها والقضاء عليها وقد اشارت هذه الاتفاقية في المادة / 2 الى مجموعة من الافعال التي تتكون منها جريمة ابادة الجنس البشري، فجاء في المادة المذكورة انه (في هذه الاتفاقية ، تنعي الابادة الجماعية ايا من الافعال التالية ، المرتكبة على قصد التدمير الكلي او الجزئي لجماعة قومية او اثنية او عنصرية او دينية ، بصفتها هذه :

  1. قتل اعضاء من الجماعة.
  2. الحاق اذى جسدي او روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
  3. اخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا او جزئيا.
  4. فرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الاطفال داخل الجماعة.
  5. نقل اطفال من الجماعة، عنوة، الى جماعة اخرى
  • اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب:

لم تقتصر الاتفاقيات الدولية على مراعاة حق الانسان في الحياة والسلامة الجسدية ابان السلم فقط، بل لقد تجاوزت ذلك الى وقت الحرب ايضا ، فقد كان سائدا قبل نشأة قواعد قانون الاحتلال الحربي هو تعرض الاشخاص المدنيين من الاعتداء للقتل والمعاملة السيئة ذات الضرر الجسدي او الضرر الماس بالحياة ، وظل الحال هكذا حتى صدرت هذه الاتفاقية في 12 اغسطس عام1949  فقد نصت المادة/3 في هذه الاتفاقية انه (في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في اراضي احد الاطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع ان يطبق كحد ادنى الاحكام التالية :

  • الاشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الاعمال العدائية ، بمن فيهم افراد القوات المسلحة الذين القوا اسلحتهم ، والاشخاص العاجزين عن القتال بسبب المرض او الجرح او الاحتجاز او لاي سبب اخر …… ولهذا الغرض ، تحظر الافعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين اعلاه ، وتبقى محظورة في جميع الاوقات والاماكن :
  • ب‌.   الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع اشكاله ، والتشويه والمعاملة القاسية ، والتعذيب ….) . وقد جرمت الاتفاقية المخالفات الجسيمة فجاء في نص المادة 146 بانه (تتعهد الاطراف السامية المتعاقدة بان تتخذ أي اجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الاشخاص الذين يقترفون او يأمرون باقتراف احدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية المبينة في المادة التالية …) ، المادة/147 (المخالفات الجسيمة التي تشير اليها المادة السابقة هي التي تتضمن احد الافعال التالية واذا اقترفت ضد اشخاص محميين او ممتلكات محمية بالاتفاقية : القتل العمد ، التعذيب او المعاملة اللاانسانية بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة ، وتعمد احداث الالام شديدة او الاضرار الخطير بالسلامة البدنية او بالصحة.
  • اتفاقية حقوق الطفل رقم 260 لسنة 1990:

ان الاعتراف بالكرامة المتأصلة لجميع اعضاء الاسرة وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف ، واساس الحرية والعدالة والسلم في العالم ، والحاجة الى توفير رعاية خاصة للطفل والذي جاء به اعلان جنيف لحقوق الطفل عام1934 وكذلك اعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1959 والمعترف به في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – وضعت الدول في اعتبارها ان الطفل بسبب عدم نضجه البدني والعقلي يحتاج الى اجراءات وقاية ورعاية خاصة بما فيها حق الحياة والسلامة الجسدية لذا اتفقت الدول الاطراف للأسباب اعلاه على ابرام اتفاقية حقوق الطفل رقم 260 لسنة 1990 فجاء في المادة /19 من الاتفاقية انه ( تتخذ الدول الاطراف جميع التدابير التشريعية والادارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة اشكال العنف او الضرر او الاساءة البدنية او العقلية ……. واساءة المعاملة او الاستغلال بما في ذلك الاساءة الجنسية …… ) وجاء في المادة / 37 من الاتفاقية انه ( تكفل الدول الاطراف :الا يعرض أي طفل للتعذيب او لغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهنية)

ثانيا : معصومية الجسد في الاتفاقيات والمواثيق الاقليمية :

تكاد تتطابق الحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات والمواثيق مع تلك الواردة في الاعلانات والمواثيق ذات الطابع العالمي واهم الاتفاقيات والمواثيق الصادرة في هذا الخصوص هي :

1- الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان:

تمثل هذه الاتفاقية اهم الخطوات الايجابية في سبيل حماية حقوق الانسان ، وقد تم التوقيع عليها من جانب الدول الاعضاء في المجلس الاوروبي في 4 نوفمبر 1950 وقد حرصت الاتفاقية على ابراز الحق في الحياة وما يرتبط به من السلامة البدنية وذلك بالنص في المادة /2/1 (حق كل انسان في الحياة يحميه القانون . ولا يجوز اعدام أي انسان عمدا الا تنفيذا لحكم قضائي بادانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة) ، وكذلك اشارت

المادة/3 من الاتفاقية على تحريم التعذيب او المعاملات اللاانسانية ، وتحمي هذه المادة حق الافراد في السلامة البدنية سواء من الناحية المادية ام المعنوية ، فجاء في المادة المذكورة (لا يجوز اخضاع أي انسان للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة المهينة للكرامة)، ويلاحظ ان هذه الاتفاقية قد اجازت في المادة/15 امكانية مخالفة وانتهاك بعض الحقوق المنصوص عليها في الظروف الاستثنائية ، كحالة الحرب او الخطر العام الذي يهدد كيان الامة باسرها الا ان هذه المادة لم تجز مخالفة احكام المادة 2/1 اعلاه والخاصة بالحق في الحياة والسلامة البدنية ، فجاء فيها (1- في وقت الحرب …… يجوز لاي طرفٍ سامٍ متعاقد ان تتخذ تدابير تخالف التزاماته الموضحة بالاتفاقية …… 2- الفقرة السابقة لا تجيز مخالفة المادة الثانية ….).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول أقرأ المزيد