بناء السلام وسيادة القانون في الدول ما بعد الصراع المسلح

أ.د. خالد الحسون

خصوصاً في ظل التطورات التي حصلت بعد نهاية الحرب الباردة, وأن كل ما هو ضروري لحياة الإنسان يبدأ مع غياب العنف, حيث يعد من المهام الرئيسة لأية حكومة هو توفير السلام والأمن والحريات العامة الأساسية لمواطنيها في اطار سيادة القانون, كما أن الهدف المشترك بين مختلف أشكال الحكومات الديمقراطية هو خلق الظروف التي تمكن سكانها من تلبية احتياجاتهم ورغباتهم والتمتع بحقوق الإنسان, والعيش بسلام, وبشكل لا يؤذي الآخرين, ويتجاوز السلام المستدام مجرد التوقيع على اتفاق, مع أهمية وقف الأعمال العدائية، لكن إعادة بسط الأمن فضلا عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين تمثل توقعات ملحة ومشروعة لدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات من جراء الصراع المسلح الداخلي الذي غدى سمة أخرى للحروب.

عليه تعد عملية إعادة بناء السلام وهي تمثل اعادة بناء المجتمع بعد انتهاء الصراع  المسلح، أكثر صعوبة من إعادة بناء البنى التحتية (مع اهميتها والحاجة الضرورية لها), كون بناء السلام عملية معقدة وطويلة تتطلب تهيئة مناخ التسامح واحترام الحقيقة, فضلا عن انها تشمل طائفة واسعة من البرامج والحقوق السياسية والإنمائية والإنسانية, كذلك تشمل إعادة إدماج الجنود والمقاتلين واللاجئين، وإزالة الألغام وإزالة المخلفات الاخرى الناجمة عن الصراع، والإغاثة في حالات الطوارئ وإصلاح الطرق والبنى التحتية وإعادة التأهيل الاقتصادي والاجتماعي. وبذلك يختلف مفهوم بناء السلام نظراً لسعة البرامج التي يشملها هذا المصطلح, فقد اختلفت معانيه بحسب الزاوية التي ينظر منها إليه.

ويوصف بناء السلام بأنه يتجسد في صورتين، الصورة الاولى هي، السلام الايجابي الذي يقصد به التحول الهيكلي نحو إقامة نظام اجتماعي, سياسي واقتصادي قادر على تعزيز العدالة وفرض سيادة القانون وضمان سلام مستدام ذاتياً, إنه على العكس من السلام السلبي الذي يمثل الصورة الثانية الذي يتجسد بعدم وجود الصراع. عموماً يتم تصور بناء السلام في عدد من الصور كذلك اعتماداً على نطاق ومستوى التدخل على الصعيد الدولي والوطني, قد يعني التحول الهيكلي في شكل الإصلاحات المؤسسية الموجه نحو السلام المستدام, والحيلولة دون تكرار أعمال العنف من خلال معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع وأثاره وهذه كذلك تتفق مع سيادة القانون, ومن المهم التأكيد على أنه يعد في كثير من الأحيان أن إنشاء مبادرات بناء السلام التقليدية والجماعية لها أهمية قصوى في عملية التحول في العلاقات, لهذا السبب ينبغي دائماً أن يهدف إلى إدماجها فيه وتكون جزءً لا يتجزأ في الجزء الهيكلي للإصلاحات المؤسسية في المستويات العليا, بل هو وظيفة مبادرات السلام التقليدية والجماعية المهمة التي بدأت توجه السياسات الوطنية لبناء السلام, وينبغي تحديدها وتضمينها في جميع أطر التنمية الوطنية لما بعد الحرب.

تتمحور تحت بناء السلام أربعة عناوين رئيسة هي:

  1. تعزيز سيادة القانون.
  2. توفير الأمن.
  3. إرساء الأسس الاجتماعية والاقتصادية للسلام طويل الأمد.
  4. تعزيز قيم المصالحة، والشفاء من جراح الحرب، والعدالة.

ختاما يمكن القول، بما أن الحرب أو الصراع المسلح يحصل بسبب مجموعة من العوامل القائمة في طبيعة البشر مرتبطة بالحفاظ على الهوية والموارد والمصالح, التي تعد حاجات أساسية لكل فرد ولكل مجتمع, عليه يجب ان يكون السلام المبني على الإيمان بحق كل فرد وكل فئة أو جماعة في الوصول إلى مبتغاها, في إطار سيادة القانون والمساواة وعدم التمييز أو الإنكار, هو الحل الأمثل لتحقيق هذه الحاجات.

Comments (0)
Add Comment