أ.م.د.صباح سامي داود
لقد أدت الحرب على الإرهاب إلى حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تمثلت بمجموعة من الانتهاكات مثل الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والتسليم الاستثنائي للأفراد، وجواز عدم تطبيق قواعد حقوق الإنسان خارج النطاق الوطني.
وبصرف النظر عن الضجة السياسية التي أثارتها تلك الممارسات ورأي المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشأنها فأن هذه الممارسات والتبريرات التي سيقت في تسويغها سياسية أم قانونية إنما تطرح جملة من المسائل التي تستحق التوقف عندها طويلا وتقييمها بطريقة موضوعية بعيدة عن الاعتبارات السياسية والموقف تجاه هذه الجهات
لذلك سيكون تناولنا للموضوع من وجهة النظر القانونية البحتة في أطار كل مبادئ حقوق الإنسان بمعناها الشامل (مبدأ افتراض براءة المتهم وحق المتهم في محاكمة ومعاملة عادلة) وحق الضحية والمجتمع في الحفاظ على أمنهم وسلامتهم، وبعد ذلك واجب الدولة في حماية مواطنيها .
ولعل الإشكالية المحورية محل البحث تتمثل في تحديد طبيعة نقطة التوازن بين مصلحة الفرد , ومصلحة الجماعة فهل تمثل حقوق الفرد في مواجهة حقوق الجماعة حالة مطلقة لا تقبل المساس بها بصرف النظر عن الاعتبارات الظرفية والمنطقية واعتبارات العدالة الطبيعية ذاتها .أم أن هذه النقطة يمكن أن تتحرك في كلا الاتجاهين فتميل مرة تجاه الفرد وهو الوضع الغالب باعتبار التفاوت في المراكز والإمكانيات بين الدولة والفرد ,أم إنها يمكن أن تعود فترجح مصلحة المجتمع (في حالات محددة وموصوفة ) على حساب مصلحة الفرد عندما ترتفع الخطورة الإجرامية للفاعل والفعل إلى مستويات استثنائية . مما يشكل خرقا لمبدأ الشرعية الإجرائية بمفهومها المتعارف عليه. مستندين في ذلك بما تمر به الدولة من ظروف وحالات استثنائية قد يبرر لها التجاوز على هذه الشرعية في حالات محددة ، تكاد اغلب النظريات الفقهية تعطي للدولة الحق في الخروج عن حدود هذه الشرعية التي تعد الضمانة الأساسية لحقوق الأفراد تجاه السلطة العامة لاسيما عندما يكونون في وضع الاتهام.
كما ويطرح البحث أيضا أمكانية شمول حالة الضرورة والدفاع الشرعي لوقائع مستجدة تستوفي في تقديرنا الشروط القانونية لهاتين الحالتين رغم تردد القضاء المحلي والدولي في الاعتراف بذلك، وتحديدا مدى القبول بالأخذ بالأدلة المستمدة من ممارسات مخالفة للقانون.
وعموماً فأن هناك مبدأين عامين يتعين مراعاتهما في أطار تحصيل الأدلة في الدعاوى الجزائية وهما مبدأ احترام الكرامة البشرية ومبدأ احترام حقوق الدفاع ويؤدي المبدأ الأول بصفة خاصة إلى إدانة استعمال العنف في تحصيل الدليل ما لم تكن ثمة ضرورة تبرر ذلك ويؤدي المبدأ الثاني إلى ضرورة التزام النزاهة في تحصيل الدليل.
وعليه فقد وجدنا ومن اجل معالجة ما أثارته ممارسات بعض الجهات التحقيقية والقائمين على التحقيق في إطار استجواب المتهمين بالإرهاب والحصول على الأدلة بهذا الشأن، أن نبحث هذا الموضوع من جانبين خصصنا الاول منها لبيان مفهوم الشرعية الجزائية ومدى انطباق هذه الشرعية في الظروف الاستثنائية أما الثاني فقد حاولنا فيه استعراض التبريرات القانونية التي تتتعلل بها هذه الجهات في إيقاع أفعال التعذيب.
مع ملاحظة إننا حاولنا عرض وجهات النظر المتباينة بطريقة حيادية وبالاستناد إلى المبررات القانونية وصولاً إلى تقيمينا النهائي للموضوع في خاتمة الموضوع.
أقرأ البحث كاملاً