هل من خلاص للعراقيين؟

بقلم: ربي بيضون
مستشارة في الأمم المتحدة

 خطوت فوق قطع الزجاج المتناثرة والتي تبقت من هذه النوافذ كي أدخل وأقابلها. كانت قد وصلت في اليوم السابق مع عائلتها إلى سنجار. ابتسمت لي وأهلت بي بوجهها السمح، وبالرغم من تعب ذويها ومرضهم واستلقائهم جنبها. المنطقة فارغة، لا توجد أسواق او محال تجارية ولا بنى تحتية ولا مشفى. ولكنها رجعت بالرغم من كبر بطنها وصغر أخ الجنين. كم كان وضعها مزرٍ في المزرعة التي التجأت إليها خلال الأحداث قبل قرارها بالعودة؟ لم أسأل، فالإجابة كانت أمامي. رغم كل المقابلات التي قد قمت بها سابقا مع نازحين وناجيات وناجين من وطأة داعش، شعرت بتلك الغصة. لا فرق بالعمر بين ابنها وابنتي التي كانت بانتظار عودتي من رحلتي إلى دوامة الالم. ابنتي لديها مقعد أطفال مخصص لها في السيارة مع حزام أمان للحفاظ على سلامتها ما إذا حصل حادث في الطريق، آخذها عند الطبيب في الأوقات المطلوبة كي تتلقى اللقاحات، أقرأ تلك المقالات التي تتناول مواضيع مثل أهمية الروتين لدى الطفل ووجود مكان آمن ينام فيه كل يوم ويشعره بالطمأنينة… أقرأ هذه المقالات بتمعن، هي مواضيع جد مهمة لكن كم تصبح تافهة هنا. أتخيل معاناة هذا الطفل في طريق العودة، وتعب جدَّيه في النزوح والعودة. لن تتمتع هذه المراة باية  رفاهية طبية او نوع من التخدير يوم الولادة، ستتألم وتعاني في ذلك اليوم، هذا ما جال في فكري تلك اللحظة. حلقي يؤلمني ولا أريد البكاء كنوع من المهنية في العمل وقواعد السلوك التي أحاول ان التزم بها ولكن الى متى سوف تتمكن دفاعاتي المهنية من الصمود. شكرتها على المقابلة وتركتها في مدينة أشباح بدون ان استطيع من طمئنتها او التفوه باي وعد اقطعه لها بان كل شيئ سوف يكون على ما يرام قريبا.

في أربيل ودهوك وبغداد، الحياة طبيعية، الناس يفكرون برحلتهم المقبلة إلى اية دولة للسياحية “للوِنسة” كما يقولون. وهذا حقهم، إلى متى سيحتملون المآسي؟ هم في المناطق المستقرة  من العراق في الوقت الحالي، وقد تضرروا سابقا كما يتضرر أخوانهم الآن ولكن قرروا ان يقولوا للماسي كفى، سيمضون في رحلة النسيان ويخلفون وراء ظهورهم كل  المآسي  التي عانوا منها وستكون الحياة وردية، ذلك ما يتمنون وأتمنى لهم، حيث وجدت ان العراقيين جميعا يتمسكون بالامل دائما ولهم القدرة على المواصلة ومواجهة التحديات.

في مقابلة مع أحد مسؤولي وزارة الهجرة والمهجرين، كان ذلك عنوان أجوبته على أسئلتي، لولا الحياء لكنت سمعته يقول “الحياة وردية في العراق”. أفهم أن المواطن  يريد أن يتناسى ما وصل إليه العراق بسبب تقاعس الطبقة الحاكمة، ولكن مسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين؟ هذا ما لا يطاق  خصوصا مع عدم وجود خطة واضحة او منهج حكومي معلن لدعم هذه المناطق..

ما يزيد الطين بلة هو ما سمعته من الناشطين الذين يزورون سنجار على الدوام، خاصة فيما يتعلق بموضوع الطلاب والدراسة ودور الحكومة المركزية في ذلك. على الرغم من بدء إعادة الاعمار في كثير من المناطق التي حررت من داعش، فلم يعاد ترميم المدارس ولم يعد الكادر التعليمي إلى سنجار. فطبعا السنجاري لا ظهر له، فمن يكترث لو درس الأطفال أم لم يدرسوا؟ لو امتحن التلامذة أم لم يمتحنوا؟ أيعقل، أنه بعد تعرض الأيزيديون إلى حملة إبادة ممنهجة، وكل تلك المحن ، ولا نجد ان  الحكومة قد شرعت في التعويض لهؤلاء المواطنين ولو بمقعد دراسي؟ ولو بكراس امتحان وزاري؟ ولو بمعلّم أو معلمة لإعادة شيء من الروتينية إلى حياتهم المهمشة؟ أيعقل أن كثير من الطلاب لم يستطيعوا أن يمتحنوا في سنجار بسبب خوف الموظفين الحكوميين من زيارة المنطقة وبسبب الكوتا على عدد الكراسات المتاحة لسنجار؟ هل يعقل أن الحكومة لم تحاول توفير دراسة مكثفة أو إعادة تأهيل للذين بقوا تحت وطأة داعش لسنوات، والآن قد ضاعت سنوات دراسة إضافية وهم تحت وطأة اللامبالاة؟

فعلا، لا ظهر للأطفال الأيزيديين. هم وحدهم في هذا المكان الموحش الذي سموه أجدادهم وطنا، وتلاحقهم تصريحات واعلانات كبيرة وكثيرة يتداولها المجتمع الدولي والحكومة العراقية من دون ان تكون لها اثر على الواقع المتهالك. ان المجتمعات  بعد الخروج من الازمات تكون مجتمعات هشة وعرضة للانهيار مجددا اذا لم يكن هناك برنامج واضح لاعادة الاندماج المجتمعي، وتلبية ججميع احتياجات هذه المناطق. لا يمكن للحكومة العراقية والمجتمع الدولي ان يراهنوا على الامل الذي يملئ نفوس العراقيين، واصرارهم على تجاوز المحن، لان ذلك سوف يكون محفوفا بالمخاطر والتحديات.

Comments (0)
Add Comment